الخميس، ١٦ ربيع الآخر ١٤٣١ هـ

العلم الثقيل ومأساة مدمني الكتب!

هذه مشكلة يعرفها كثير من محبي الكتب. فنحن نرى الكتاب يطل علينا فلا نستطيع مقاومة النداء، فتمنينا النفس بقراءته، ومن ثم شراؤه فوراً. ويتكرر ذلك في كل رحلة للمكتبات حتى نجد أن الكتب تتزايد، وتملأ الأرفف. لكنها تظل راقدة شهوراً وأعواماً دون أن نقرأها، فهي ببساطة أكثر عدداً من سرعتنا في القراءة.

الواقع أن حياتنا الروحية لا تحب ذلك، فهي تتأذى من هذا التراكم والكنز، ونشعر نحن بذلك بشكل أو بآخر. إن هذا التراكم لكتب لا نقرأها يتراكم أيضاً فوق مسام تلقي العلم في كياننا المعنوي، فتضيق علينا وتحد من قدرتنا على القراءة. تماماً مثلما تتباطء المعدة إذا أتخمناها بالطعام وتسبب لنا الشعور بالإرهاق والثقل. نحن بحاجة دائماً لمساحة من الفراغ تتيح لنا الحركة والنشاط. وكلما ضيقنا هذه المساحة كلما ركد نشاطنا وتثاقلت طاقتنا.

أذكر أن من أجمل فترات حياتي القرائية هي عندما كنت أشتري الكتاب الواحد، فأنهيه، ثم أذهب وأشتري كتاباً جديداً وأنهيه. كان للقراءة بهذا الشكل طعم آخر ومتعة مختلفة. لم يدم ذلك طويلاً حتى سقطت من جديد في هوة الكثرة. ومع تراكم الكتب تقل قدرتي على القراءة. وكأنني أحمل كل هذه المقتنيات على كاهلى في طريق الحياة! تصور لو أنك تمشي حاملاً فوق كتفيك أثقالا، كيف ستكون سرعتك؟ هل ستسمتع بالمشي أم ستكون الرحلة عذاباً وعناء؟ الأمر لا يختلف في جوانب الحياة الأخرى، فحينما نتخفف مما نحمل، نمضي في طريقنا أكثر سرعة، وأوفر نشاطاً، وأكثر استمتاعاً بالرحلة!

الحقيقة الأخرى أنه مهما زاد عدد الكتب فوق أرففنا فإن ذلك لا يزيد العلم في أنفسنا شيئاً، قليلاً أو كثيراً! أو كما يقول المثل المصري: "العلم في الراس مش في الكراس". ولا أذكر تماماً من هو العالم القديم، ربما أبو حامد الغزالي، الذى حكى كيف أنه كان مسافراً حاملاً كتبه، فقطع عليه الطريق لص استولى على الكتب. فتوسله طالب العلم المسافر أن يأخذ كل شيء ويترك له كتبه. فسخر منه قاطع الطريق لأن العلم في الكتب وليس في رأسه! حينها قرر طالب العلم أنه لا ينبغي عليه أن يعتمد في علمه على كلمات مطبوعة قد تذهب أو تضيع، لكن أن يحتفظ بالعلم في أبقى وأضمن مكان في الأرض: رأسه!

هذا بعض التوصيف للمشكلة. وفي الموضوع القادم بإذن الله أفكر في الحلول وعنها أتحدث.

Share/Bookmark

هناك تعليق واحد:

  1. لا أذكر تماماً من هو العالم القديم، ربما أبو حامد الغزالي،
    نعم، هو الإمام الغزالي..

    ردحذف

Subscribe via email

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner